كانت حياتنا تجري بهدوء ومحبة. وكان الوالد رجلاً رائعاً كرّس جل اهتمامه وضحى بحياته من أجل معاونة أسرته وأولاده، وها نحن نقف حالياً شهوداً على أن جهوده الجبارة قد أتت ثمارها..
وقد علم الوالد مطلع التسعينيات بأنه يعاني من الفشل الكلوي الخطير الذي يستدعي غسل الكلية بصورة مستعجلة. وقد هزّ هذا الخبر الأسرة وزعزع حياتنا برمّتها. لقد تحول الوالد قوي العضلات والشكيمة بين لحظة وأخرى إلى شبح إنسان عديم القوة وقد خفف من وزنه لدرجة جعلته في نظرنا "هيكلا عظميا سائرا" يلاقي الصعوبة في القيام بالمهام اليومية البسيطة..
وقد خُيل إلينا أن انتقال الوالد إلى جوار ربه قد أصبح وشيكاً ولن تطول مدة انتظار الأجل المحتوم إلا شهوراً معدودة إنْ لم تكن أسابيع..
غير أننا تلقينا ذات يوم مكالمة هاتفية أثلجت صدورنا لتستدعي الوالد إلى الخضوع لعملية زرع في مستشفى "بيلنسون". لقد تم التبرّع له بكلية مما أنقذ حياته وجعل العائلة تعيش سعادة غامرة امتدت 11 سنة أخرى..
وفي شهر مايو أيار 2004 أصيب الوالد العزيز بنزيف دماغي تسبب في حالة من الموت الدماغي بينما كانت أعضاؤه لا تزال تؤدي وظائفها. وعلى الرغم من شدة الألم الذي انتابنا إلا أن جميع أبناء العائلة أجمعوا فوراً على التبرع بأعضاء الوالد لمَن يحتاج إليها على أمل أن يمنح هكذا الحياة للآخرين. وكما استمتعنا نحن بنعمة العيش بمعية الوالد عدداً من السنين شعرنا آنذاك بواجبنا بمعاونة الناس الآخرين ليستطيعوا البقاء بمعية أعزّائهم خلال السنوات المقبلة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن قرار التبرع الذي اتخذناه قد لقي الترحيب من رجال دين مسلمين.
أما اليوم فإننا نحيي ذكرى الوالد الحبيب إلا أننا نتعزى قليلاً عندما نتذكر بأن أعضاءه قد جلبت الحياة والسعادة لعدة عائلات أخرى.