"تفيد العائلات الباسلة التي تبرعت بأعضاء ذويها عن مشاعر غريبة، تحمل روح الارتياح والاطمئنان، وتحمل نوع من العزاء بأن قلب عزيزهم يستمر بالحياة وقرنيات احبائهم ما زالت تبصر النور"
د. رياض طعمة: "لو لم اتلقى كبدا، ما كنت موجودا معكم اليوم، وما كنت قد أكملت رسالتي الطبيّة من أجل المرضى"
د. رؤيا نجم: " من تلقى الأعضاء أصبح جزءا من العائلة وهذا يعزينا"
د. وافي بدارنة: "الطب والشرع يجمعان على أن موت جذع المخ هو موت كامل يجيز بعده التبرع بالأعضاء ولم يعد أي شخص للحياة بعد الموت الدماغي على مر التاريخ"
التبرع بالأعضاء هو موضوع شائك ويتطلب اتخاذ أحد أصعب القرارات التي من الممكن تتخذها العائلات الثكلى في أصعب الظروف. تكون الاعتبارات متعددة منها: صعوبة اتخاذ قرار وقت الصدمة، اعتبارات دينية حيث تطلب العائلات التواصل مع رجل دين لفحص الموقف الديني من الموضوع، واخرون يخلطون بين الموت الدماغي الذي يعتبر موتا نهائيا من الناحية الطبية والدينية، وبين قرارهم بوقف عمل الأجهزة الطبية التي تشغل القلب والرئتين تقنيا.
من جهة أخرى تفيد العائلات الباسلة التي تبرعت بأعضاء ذويها عن مشاعر غريبة، تحمل روح الارتياح والاطمئنان، وتحمل نوع من العزاء بأن قلب عزيزهم يستمر بالحياة وقرنيات احبائهم ما زالت تبصر النور . تتجلى هذه المشاعر باعتبار من تلقى الأعضاء جزء من العائلة حيث تتطور العلاقة أحيانا، وفق رغبة الطرفين، الى صداقة مميزة أساسها قيم العطاء والتضحية والسمو.
بالرغم من أن الديانات السماوية، تقدس حياة الانسان وتدعم وتشجع التبرع بالأعضاء ومنها من يعتبرها صدقة جارية عن روح المرحومين، الا أن التخبطات الصادقة للعائلات الثكلى أحيانا تمنع من وصول الأعضاء الى من هم بأمس الحاجة اليها من أجل الحياة.
أحد أبرز القصص التي توضح هذا الموضوع هي لطبيبة وطبيب قرروا التبرع بأعضاء أحد الوالدين وأخرى لطبيب حصل على عضو حيوي أنقذ حياته.
د. وافي بدارنة: "الطب والشرع يجمعان على أن موت جذع المخ هو موت كامل يجيز بعده التبرع بالأعضاء ولم يعد أي شخص للحياة بعد الموت الدماغي على مر التاريخ"
د. وافي بدارنة الذي يعمل في قسم الامراض الباطنية في مستشفى سوروكا، اتخذ قرار التبرع بأعضاء والدته المرحومة ضحى موسى بدارنة (71 عاما) من مدينة عرابه. يصف د. بدارنة، الصعوبات التي واجهته خلال اقناع العائلة بالأمر، بالرغم من كونه طبيبا، وأراد أن يوجه رسالتين هامتين الى المجتمع العربي وقال: " الرسالة الأولى، وطبعا اتمنى دوام الصحة للجميع، التبرع بالأعضاء هو عمل انساني بحت، يبث الارتياح في نفوس من فقد عزيزا عليه. عزّاني كثيرا عندما علمت، أن أمي انقذت شخصا من بيت صفافا وأوقفت معاناته ومعاناة عائلته. كما وأن التبرع بالأعضاء يعتبر صدقة جارية عن روحها شرعا وصدقة انسانية وقيمة عليا. ارتحت أيضا عندما رأيت في وسائل الاعلام أن أكرم جابر الذي استقبل الكلية في جسمه بعد عملية مركبة اجراها له د. عبد خلايلة، مدير وحدة زراعة الاعضاء في مستشفى هداسا عين كارم، كان قد شكر عائلتي على وقف معاناته وانقاذ حياته بعد سنوات طويلة امضاها في اجراء غسل الكلى (الدياليزا)، معاناة لا يعيها سوى من يمر بها، هي رحلة عناء طويلة للمريض ولعائلته اراها يوميا خلال عملي. الرسالة الثانية التي أراد د. بدارنة أن يوجهها كطبيب ومن خلال تجربته في محاولة اقناع العائلة بقرار التبرع قال: " توفيت امي فجأة بجيل 71 عاما وكانت بصحة جيدة. لم تستوعب العائلة أنها فارقت الحياة بهذه السرعة وأن موت الدماغ هو نهائي، وفكرة التبرع بأعضائها كانت صعبة ولاقت بعض التخوفات وآراء تنادي بمنحها الفرصة كي تستيقظ. رسالتي كطبيب واضحة لا تقبل التأويل، وهي أن الموت الدماغي او ما يسمى بموت جذع المخ كما يحدده طاقم الأطباء، وكما تم اقراره لوالدتي، هو موتا أكيدا طبيا وشرعيا ولم تسجّل حالة واحدة عبر التاريخ لإنقاذ شخص بعد تحديد الموت الدماغي. كما وأن الطب والشرع يجمعان على أن موت جذع المخ هو موت كامل يجيز بعده التبرع بالأعضاء. ادرك صعوبة موقف كل عائلة تقرر التبرع بأعضاء ذويها وقرارها بالموافقة على وقف عمل الاجهزة الطبية، لكن التأخر في اتخاذ القرار يزيد من احتمالات تلف الاعضاء ويقلل من احتمالات التبرع وانقاذ حياة اشخاص بأمس الحاجة الى الحياة".
د. رؤيا نجم: " روحك يا ابي تسكننا وتسكن كل شخص تلقى قطعه منك، وأن كان الفؤاد يشكو من لوعة الفقد والشوق فان عطائك وانسانيتك يغمرانه بالرضى والتسليم"
طبيبة أخرى، د. رؤيا إبراهيم نجم، تعمل في مستشفى الكرمل في مدينة حيفا، كانت قد قررت وعائلتها التبرع بأعضاء والدها المرحوم إبراهيم نجم من قرية بيت جن في الجليل الأعلى. وتحدثت عن تخبطاتها وعائلتها خاصة وأن المرحوم كان قد وقّع على بطاقة "آدي" والتي يسمح بموجبها التبرع بأعضائه، علما أن القرار بالنهاية يعود للعائلة. حيث قررت العائلة ( الزوجة والابنتين رؤيا ومنيا) احترام رغبة والدهم المرحوم والتبرع بأعضائه وإنقاذ حياة الاخرين. وقالت د. نجم من خلال رسالة وجهتها الى المركز الوطني للتبرع بالأعضاء بمرور عام على ذكرى وفاة والدها: "قرار التبرع بالأعضاء كان من أصعب المواقف التي واجهناها كعائله، روحك يا ابي تسكننا وتسكن كل شخص تلقى قطعه منك، وأن كان الفؤاد يشكو من لوعة الفقد والشوق فان عطائك وانسانيتك يغمرانه بالرضى والتسليم"
كما والتقت عائلة نجم مع عائلة "اليعيزر" الذي كان قد عانى لفتره طويله من مرض مزمن في الكبد مما أجبره على المكوث طويلا بالمشفى وتلقي العلاج. حيث حصل على كبد المرحوم واصبح جزء من العائلة ووصفت د. رؤيا نجم شعورها بالعزاء الحقيقي والارتياح بأن أعضاء والدها المرحوم ما زالت تنبض وتحيا حتى اليوم.
هذه التجربة اثرت على د. رؤيا نجم كثيرا ودفعتها الى ان تنشط في موضوع التبرع بالأعضاء حيث نظّمت يوما دراسي في قريتها بمشاركة الأطباء ورجال الدين الدروز من أجل رفع الوعي لأهمية التبرع بالأعضاء من أجل ايجاد كلية لاحد سكان البلدة.
د. رياض طعمة، مدير قسم التخدير في مستشفى الناصرة – الإنجليزي: لو لم اتلقى كبدا، ما كنت موجودا معكم اليوم، وما كنت قد أكملت رسالتي الطبيّة من أجل المرضى" "
حتى الأطباء يحتاجون الى زراعة الأعضاء لإنقاذ حياتهم. د. رياض طعمة من قرية كفر ياسيف، ومدير قسم التخدير في مستشفى الناصرة الإنجليزي كان يعاني من تشويشات في انزيمات الكبد منذ كان طالبا جامعيا بموضوع الطب، وازدادت حدته مع الوقت ووصلت الى حالة تسمى تشمع الكبد في العام 2012 وأصبح بحاجة ضرورية لزراعة كبد. وقال د. طعمة: " لو لم اتلقى كبد بالوقت المناسب لما كنت موجودا معكم الان! بفضل الكبد الذي حصلت عليه استطعت اكمال تعليم الأبناء في الجامعة واكمال بناء عائلتي، هذا على الصعيد الشخصي والعائلة والاحباء. أما على الصعيد المهني استطعت اكمال مسيرتي المهنية الطبية وخدمة المرضى وإنقاذ حياتهم" وأضاف: " خلال عملي أرى معاناة المرضى يوميا، التبرع بالأعضاء هو واجب انساني وديني. الديانات السماوية تجيز وتشجع الصدقة الجارية وتقدس حياة الانسان. علينا أن نتكاتف سويا من أجل انقاذ حياة الانسان. أرى على الصعيد المهني اشخاص يفقدون حياتهم خلال سنوات الانتظار لزراعة أعضاء والحل الوحيد هو التكاتف الاجتماعي والتبرع والتوقيع على بطاقة "ادي" التي يوصي بموجبها الموقع على موافقته على التبرع بالأعضاء.
د. رياض طعمة د. وافي بدارنة
عائلة نجم بيت جن- أصبحوا عائلة